"سبًّح لله ما في السماوات وما في الأرض"

قال تعالى: "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)" (الحديد:1)

نعم سبح لله وعظم قدره وتحدث بعظمته كل ما في السماوات والأرض

نعم نطق كل جمادٍ وكل شيءٍ حيٍّ بقدرة الخالق وإبداعه

نعم شهدت كل الخلائق كبيرها وصغيرها، حيها وميتها بعظيم صنعه وبديع خلقه

سبحانه – لا إله إلا هو الخالق المصور

هذا هو الله خالق هذا الكون كله...

خلق الإنسان - خلق الحيوان - خلق النبات - خلق الطير وما في البحار

خلق السماوات والأرض - خلق الجبال وخلق الأنهار

خلق كل كبيرة وصغيرة ... من الذرة وثناياها إلى الكواكب والأفلاك وما شملها واحتواها

خلق ما نعلم منها وما لا نعلم

كلٌّ يسبح له ويخضع لإرادته ويعمل طبقاً لتخطيطه ولا يخرج عن طاعته

كلُّ ذرةٍ وما دونها تخضع لقدرة الله ونظامه

كل مادةٍ وكل جمادٍ يطابق ما خصص الله له من خصائص ومواصفات

كلُّ نباتٍ وكلُّ حيوان يكون أو لا يكون حسب تخطيط الخالق وإرادته

الأرض والسماوات تسير وفقاً لمنهاج الله وسنته

كلٌّ يسبح بحمده وينطق بقدرته

ففي طلوع الشمس وغروبها تسبيح لله

وفي سير الرياح وهبوب العواصف تسبيحٌ لله

وفي سقوط الأمطار وتراكم الثلوج تسبيحٌ لله

وفي تمدد المعادن بالحرارة وانكماشها بالبرودة تسبيحٌ لله

وفى نمو الشجر من البذرة وطلوع الثمرة تسبيحٌ لله

وفى نبض قلوبنا وسريان الدم في عروقنا تسبيحٌ لله

خلقٌ بديع بلغ في الإتقان مداه

خلقٌ متناسقٌ متكاملٌ - بلغ في الكمال غايته

هذا هو الله خالقنا - هذا هو الله حافظنا- هذا هو الله رازقنا- وهو الله مميتنا- وهو الله معيدنا- وهو الله باعثنا

سخر لنا الشمس والقمر وسخر لنا الليل والنهار... سخر لنا من سائر خلقه ما نأكل وما نلبس وما نلهو به وما نركب

فغمرتنا نعمه - وفاض علينا خيره وبركته - وأعطانا من حيث لا نحتسب

ومن عظمته أن بين لنا الحق والباطل ووضح لنا الشر والخير وأرسل لنا من كتبه ورسله ما نهتدى به ونقتدى بقدوته وأعطانا الخيار فمنا من شكر ومنا من كفر

فمنا من اهتدى ومنا من ضل - ومنا من أطاع ومنا من عصى

سبحانه من خالقٍ عظيمٍ... بيده كلُّ شيءٍ

إِنَّمَآ أَمۡرُهُ ۥۤ إِذَآ أَرَادَ شَيۡـًٔا أَن يَقُولَ لَهُ ۥ كُن فَيَكُونُ (يس:82)

ومع ذلك ترك لنا خياراً وترك لنا إرادة وما هذا إلا دليلُ عظمته ودليل قدرته

ترك لنا حق معصيته بل وترك لنا حق الكفر به ( والعياذ بالله)

ــ تأملوا معى أخوة الإيمان والإسلام رؤساء وملوك وقيادات لا تترك إرادة أو تسمح باختيارٍ...

لم تخلق ولم ترزق ولم تعطى ولم تُسخِّر- وتسلب الإرادة وتحرم الاختيار...

وخالق الكون كله- يسمح لنا أن نعصيه

ــ سبحانه جلًّ شأنه... بيده ناصية كل الأمور ويترك لنا الخيار ويسمح لنا بالارادة

ــ ينطق اللسان بالكفر والله قادرٌ أن يسكته، بل قادرٌ أن يجبره على الطاعة والاستسلام ولكنه جلَّ شأنه ما كان ليسلبنا حق الاختيار

ــ وسبحان الله.. ذات اللسان الذى ينطق بالكفر مازال خلقاً من خلق الله.. يعمل حسب ارادته ووفقاً لنظامه. كلُّ خليةٍ فى هذا اللسان تسبح لله.. كلُّ حركةٍ وكلُّ تحركٍ تسبيحٌ لله.. وسبحان الله تخرج الكلماتُ معصيةً وكفراً.

ماأظلمك أيها الإنسان وماأجهلك!!

يسرق الإنسان.. وبما يسرق.. بيدٍ هى من صنع الله وتسبح لله.. ويسيرإلى جريمةٍ برجلان هما من صنع الله .. ويسبحان لله .. ويخطط لسرقته بعقلٍ هو من خلق الله.. ويسبح لله .. ويستخدم فى جريمته أدواتٍ هى من خلق الله وتسبح لله..

نعم سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..

 فهل سبحت إرادتك أيها الإنسان؟!

هل استسلمتَ وسلمتَ أيها الغافل الظالم؟!

هل أسلمت إرادتك للخالق الذى بيده حياتك ومماتك؟!

هل حمدت وهل شكرت- وهل أطعت؟!

وصدق الله العظيم إذ يقول:( إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٌ۬ (العاديات :6)

نعصى الله فى كلِّ وقتٍ وحينٍ ونسىءُ استخدام ذات الحرية التى منحنا إياها.

ووالله ما جرؤنا أن نفعل ذلك مع ملوك الأرض! فكيف بنا نتطاول ونتجرأ على ملك الملوك- مالك الملك- مالك السماوات والأرض؟!

نعم نعصى الله ونخالف تعاليمه فى كل وقتٍ وحينٍ. ولانتجرؤ على عصيان رئيسٍ أو حاكمٍ أرضىٍّ.

نعمل ألف حسابٍ لشرطىّ المرور فلا نخالف فى حضرته وهانحن نخالف خالقنا الذى يرانا فى كل وقتٍ وحينٍ- بل يعلم ما توسوس به أنفسنا. إذ يقول سبحانه وتعالى :" وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُ ۥ‌ۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ( سورة ق: 16)

ما أعظمه من خالقٍ وما اظلمنا وما أجهلنا من عصاةٍ!

غرتنا الدنيا ومفاتنها ووسوس لنا الشيطان وأضلنا

وأسأنا التعامل مع عظمة خالقنا ونعمه وكرمه ونسينا أو تناسينا يوم الحساب. يقول الله عزَّ وجلَّ :"... وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٍ۬ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡ‌ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ) سورة الرعد:6)

نعم نسينا أو تناسينا يوم الحساب. يقول الله تعالى : "حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَہِدَ عَلَيۡہِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَـٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (٢٠) وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَا‌ۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِىٓ أَنطَقَ كُلَّ شَىۡءٍ۬ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍ۬ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (٢١) وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡہَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَـٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرً۬ا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ (٢٢)" ( سورة فصلت:02-22)

ذات الأعضاء التى استخدمناها فى معصية الخالق تستنكر ردىء صنعنا وتستحي من خالقها وقد ظننا أنها ملكنا- تقف فى صفنا- وتخضع لإرادتنا، ولكن سبحان الله- مازالت تسبح لله وتشهد ضدنا يوم الحساب.

تستحي أعضائنا من خالقها ولانستحي نحن. تسبح أعضاؤنا لله فى كل وقتٍ ولانسبح نحن.

لاتجرؤ أعضاؤنا على أدنى معصية لله ونتجرؤ عليه ونعصيه نحن.

ماأظلمك أيها الإنسان وماأجهلك!!

وسبحان الله ماأعظمه من خالقٍ!!

هو الرحمن الرحيم.. وباب التوبة إليه مفتوحٌ على مصراعيه لمن ابتغاه وسعى إليه.

إخوة الإسلام فى الحديث الصحيح" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله"

نعم إخوة الإسلام- الكيس والذكي من عمل لآخرته ولم يعص الله. وليس بذكىٍّ من يعصي الله ويخالف أمره.

وليس بذكيٍّ من تحايل عى منهاج الله وتعاليمه.

وليس بذكيٍّ من اقترف من الذنوب وارتكب من الجرائم.

إخوة الإسلام- توبوا الى الله توبةً نصوحاً وأطيعوه ولا تعصوه وسبحوه بقلوبكم وأفئدتكم فها هو رب العزة المجيد يخاطبنا فى حديثٍ قدسىٍّ: "... ومن تقرب إلى شبرا ؛ تقربت إليه ذراعا ، ومن تقرب إلي ذراعا ؛ تقربت إليه باعا ، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول" (متفق عليه) وفى رواية الترمذى عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى : "يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن